السبت، 23 يناير 2016

ورقة بحثية عن النزاعات الدولية بشان حقوق الإنسان





              النزاعات الدولية بشأن حقوق الإنسان
 أولاً: تعريف النزاع الدولي:

يعرف النزاع الدولي وفقا للمفهوم الكلاسيكي: يعرف النزاع الدولي أنه ذلك الخلاف الذي يكون أطرافه دولا فقط.
واجه لهذه التعريف العديد من الانتقادات، على راسها أن هذا المفهوم أصبح ناقصا وعاجزا عن تفسير بعض المظاهر الجديدة التي أصبح يحتويها المجتمع الدولي
لذا يعرف الفقه والقضاء الدوليين الحدثين النزاع الدولي، بأنه ذلك الخلاف الذي يقوم بين أشخاص القانون الدولي العام حول موضوع قانوني أو سياسي أو اقتصادي أو غيره مما يرتبط بالمصالح المادية والمعنوية للمجالات المدنية والعسكرية أو غيرها.
معنى ذلك هناك ارتباط بين الشخصية القانونية والنزاع الدولي فقد يكون الخلاف قانوني كما قد يكون سياسي وقد يكون اقتصادي ونقول إن غالبية النزاعات تكون ذات طبيعة مختلطة

ثانياً: نشأت النزاعات الدولية:

النزاع الدولي ليس حديث النشأة وإنما هو قديم فهو مرتبط بظهور الدولة لكن الاختلاف كان يكمن في ماهية أسباب أو طرق حل النزاع الدولي؟ اختلفت طرق حل النزاعات من فترة الى أخرى
في العصر القديم والوسيط: كان حل النزاع الدولي الأساسي فيه هو الحرب وحتى في العصر الوسيط معنى ذلك أن المجتمع الدولي سواء الكلاسيكي أو الحديث لم يكن يعرف طرق أخرى غير الحرب فلم يكن هناك طرق سلمية باستثناء الحضارة الإسلامية التي عرفت الطرق السلمية كأساس لحل النزاع أما الحرب فكاستثناء " وإن طائفتين من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما." وقال تعالى " وإن جنحوا للسلم فاجنح لها."
في العصر الحديث: قبل سنة 1945 قبل ولادة منظمة الأمم المتحدة وفي بداية هذا العصر بدأ المجتمع الدولي يتطور بمفهوم جديد هو السيادة فأعطى مفهوم الدولة الحديثة وظهورها أدى الى وجود علاقات دولية جديدة بين تلك الدول فبعض الدول تجمعها أهداف معينة كالدول الأوربية والاختلاف في الأهداف يؤدي الى التعارض في المصالح وهذا التعارض يؤدي الى نزاعات دولية وبالتالي ظهرت المؤتمرات الدولية كمؤتمر فينا ... هذه المؤتمرات مهدت الطريق الى ظهور ما يسمى بالاتفاقيات الاجتماعية بعد أن كانت تعقد معاهدات دولية أي بين دولتين فقط.
هذه الاتفاقيات كاتفاقية فرساي، فينا..... كانت تنظم المصالح المشتركة مثل تنظيم الملاحة الجوية والبحرية في الأنهار والهدف منها منع قيام نزاعات ثم بعد ذلك أصبحت الدول الأوربية تبرم اتفاقيات ذات طبيعة خاصة تحدد طرق حل النزاعات بين الدول عند قيامها " اتفاقية لاهاي 1899، واتفاقية لاهاي2 1907 " هاتين الاتفاقيتين خاصة بطرق حل النزاع الدولي أي تنظم ماهي الوسائل التي من خلالها تحل إذا قام أي نزاع دولي ثم جاء مؤتمر جنيف 1928.
مع العلم أنه قبل هذه المؤتمرات الثلاث حل النزاعات كان يتم بالعرف الدولي وكان العرف مصدر من مصادر العلاقات الولية. وجاءت هذه الاتفاقيات بأساس سلمي ويعتبر ميثاق الأمم المتحدة في العصر الحديث هو الأساس الأول في تنظيم طرق حل النزاعات الدولية وذلك من خلال الفصل السادس من الميثاق تحت عنوان حل المنازعات بالطرق السلمية وذلك من خلال المادة33/01 " ينبغي على المتنازعين في كل خلاف قد يؤدي استمراره الى تهديد السلم والأمن الدوليين أن يسعوا لحله بادئ البدء بطريق المفاوضة أو التحقيق أو الوساطة والمقاربة والتحكيم والتسوية القضائية واللجوء الى الجماعات( المنظمات) أو الاتفاقيات الإقليمية أو يعتبرها من الوسائل السلمية التي يختارونها."
باستقراء أحكام هذا النص يمكن أن يرد عليه عدة ملاحظات:
1.     المشرع الدولي يربط مدى جسامة النزاع الدولي بمفهوم السلم والأمن الدوليين ومدى تأثيره عليه.
2.     أن المشرع الدولي قد أورد هذه الوسائل على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.
3.     أن هذا الترتيب وهذه الدعوة غير ملزمة لأطراف النزاع ومع ذلك يمكن لأطراف النزاع وبكل حرية أن يختاروا أي وسيلة يرونها ناجعة. المهم أن هذا النزاع لا يؤثر سلبا على السلم والأمن الدوليين.
4.     يمكن أن يفهم من مضمون هذا النص أن المشرع الدولي يتجه الى تحريم الحرب تدريجيا بالنظر الى المادة33 نقول أن المشرع يتجه الى إيجاد وسائل لحل النزاع الدولي .
ولكن لم يكن دقيقا في ذلك فهذا النص في تقديرنا يمكن أن يخلق بعض النقائص أثناء التطبيق العملي ولهذا حتى تكون دراستنا شاملة فإننا نرى كما يذهب غالبية الفقه الدولي أن وسائل حل النزاع الدولي ينقسم الى نوعين)الوسائل السلمية. - الوسائل الغير سلمية"القصرية")
الوسائل السلمية تنقسم الى 3 طرق:
أ‌-       الوسائل السياسية: تنقسم الى خمسة اليات عمل وهي، المفاوضات. المساعي الحميمة. الوساطة. التحقيق. التوفيق
ب‌-  اللجوء الى المنظمات الدولية  :والمنظمات الدولية على نوعين، الأولي المنظمات الإقليمية. والثانية المنظمات الدولية العالمية
ت‌-  الوسائل القضائية: التحكيم الدولي. القضاء الدولي (محكمة العدل الدولية) والمحكمة الجنائية الدولية.
وسنقوم هنا بالتحدث فقط عن الوسائل السياسية وفيما لاحقا سنتحدث عن الوسيلتين الاخريتين . 


الحلول السياسية:
قد يفضلها أشخاص المجتمع الدولي بدلا من الحلول القضائية لسببين:
أ‌-       أن الحلول السياسية يمكن تطبيقها في كل أنواع المنازعات الدولية سواء كانت ذات طبيعة اقتصادية أو قانونية أو سياسية.
ب‌-  أن الحلول السياسية لا تترك شعور بالاستياء لدى الدولة عند لجوئها إليها ضف الى ذلك أن الحلول السياسية ليست حصرية فأطراف النزاع يمكن أن تلجأ الى وسيلة أخرى بشرط المحافظة على السلم والأمن الدوليين وبالتالي الوسائل التي سنتعرض إليها واردة على سبيل المثال.

وسائل الحلول السلمية:

المفاوضات:
 إن المفاوضات في القانون الدولي تتم بين ممثلي أطراف النزاع الذين يجرون فيما بينهم مباحثات بقصد الهدف تبادل الرأي في الموضوعات المختلف عليها وتقريب وجهات النظر فيها والحصول على حلول من شأنها ترضي الطرفين وقد تكون شفوية في مؤتمرات أو خطية في تبادل كتب ومستندات إلا أنه يشترط لنجاحها تكافؤ الأشكال السياسية لبتي تتبع من قبل من يباشرها. ويمكن أن تتم المفاوضات في إقليم أطراف النزاع أو في دولة محايدة. فمثلا اتفاقية ايفيان في مدينة سويسرا بين الجزائر وفرنسا. ولنجاح المفاوضات لابد من تكافؤ القوى والفرص
والسؤال الذي يطرح هو:هل المفاوضات ملزمة ؟ القاعدة العامة للمفاوضات أن ليس لها قيمة قانونية ملزمة خاصة إذا كانت شفهية أما إذا كانت كتابية فهي ملزمة للأطراف لأنها مقدمة لالتزام دولي وخاصة إذا كنا بصدد اتفاقية شارعة( جماعية).
والمفاوضات تقوم بها السلطة التنفيذية فقط وتجسد في رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ويكون بمقتضى نص كتابي ويكون هذا التفويض محدد المدة.
من خصائص المفاوضات أنها تتكون من أطراف النزاع فقط وإذا تدخلت دولة خارجة عن النزاع القائم يعتبر بمثابة وساطة، والفقه يؤكد لنجاح المفاوضات لابد من تكافؤ أطراف النزاع مثال المفاوضات التي تتم بين الفلسطينيين والإسرائيليين فشلت هذه المفاوضات لأن الطرف الإسرائيلي تؤيده الولايات المتحدة اقتصاديا وعسكريا وبالتالي عدم تكافؤ أطراف النزاع ( خريطة الطريق(
هل المفاوضات في القانون الدولي ملزمة للطرفين ؟ 

المفاوضات كقاعدة عامة في القانون الدولي هي غير ملزمة ولكن هذه المفاوضات إذا حصلت على توقيع السلطة المعنية في الدولة فإنها تكتسب طبيعته، ولكن التوقيع يختلف من دولة الى أخرى فبعض المعاهدات يشترط لنفاذها مصادقة البرلمان على ذلك وبالتالي تصبح ملزمة وأخرى تشترط فقط توقيع رئيس الدولة لكي تصبح نافذة.
نفرق بين المفاوضات في الاتفاقيات الثنائية والاتفاقيات الجماعية: فالاتفاقيات الثنائية تكون غير ملزمة إلا إذا صادق عليها البرلمان أو رئيس الدولة أما الاتفاقيات الجماعية تكون ملزمة لأطراف النزاع.
تؤكد الادبيات القانونية أن المفاوضات:
وهي أقدم أسلوب لتسوية المنازعات وأكثرها انتشاراً وأقلها تعقيداً. ولقد اعترف منذ القديم بوجود التزام قانوني بإجراء المفاوضات قبل اللجوء إلى استخدام القوة. كما اعتبرت المفاوضات في القرون اللاحقة بأنها تشكل واحداً من الشروط المسبقة لاضفاء صفة العدالة على استخدام القوة. واستمرت إدانة استخدام القوة قبل اللجوء إلى المفاوضات كما استمرت إدانة الهجوم بدون إنذار مسبق.
وكثيراً ما تشترط المعاهدات الدولية الخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات على الدول المتنازعة استنفاد أسلوب المفاوضات الدبلوماسية قبل أن يكون في إمكانها اللجوء إلى أسلوب التسوية القانونية عن طريق التحكيم والقضاء. ولقد بحثت محكمة العدل الدولية الدائمة هذا المبدأ بشيء من التفصيل في "قضية امتيازات مافروماتيس الفلسطينية (من ناحية الاختصاص القضائي)لعام 1924" وقررت أنه:قبل أن يكون في الإمكان إخضاع أي نزاع إلى إجراء قانوني، يجب تحديد موضوعه بوضوح بواسطة المفاوضات الدبلوماسية.
واعترفت المحكمة بأن عليها أن تقرر في كل قضية ما إذا كانت مفاوضات كافية قد سبقت عرض النزاع، ولكنها لن تتجاهل آراء الدول المعنية. التي هي في أفضل وضع للحكم على الأسباب السياسية التي قد تمنع تسوية منازعة معينة بالمفاوضات الدبلوماسية وفي قضية حق المرور (اعتراضات أولية)المقدمة من (البرتغال ضد الهند) أمام محكمة العدل الدولية والمتعلقة بحق المرور في الأراضي الهندية، أثارت الهند الاعتراض الأولي التالي:
إن البرتغال، قبل أن تتقدم بادعائها في هذه القضية، لم تراع قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي تتطلب منها القيام باجراء المفاوضات الدبلوماسية والاستمرار فيها إلى الحد الذي لا يعود فيه من المفيد متابعتها...
ويتمتع أسلوب المفاوضات الدبلوماسية بمزايا عديدة، ومن أولى ميزاته أنه قليل التكاليف. إذ قد تتمكن دولة من الدول من تحقيق أهدافها باتباعه، فتوفرعلى نفسها مشاق ومخاطر وتكاليف الحرب. ومن ميزاته أيضاً المرونة والكتمان.
وفي الحقيقة، فإن دول العالم وخاصة الكبرى منها تقوم بتسوية العشرات بل وحتى المئات من المنازعات مع الدول الأخرى باتباع أسلوب المفاوضات الدبلوماسية التي تتم على أيدي ممثليها "الذين يجرون فيما بينهم مباحثات بقصد تبادل الرأي في الموضوعات المختلف عليها، وتقليب وجهات النظر فيها، والوصول إلى حلول بشأنها يرضى عنها الفريقان"
وتجري المفاوضات إما بصورة خطية عن طريق تبادل الرسائل والمذكرات، أو بصورة شفهية عن طريق المؤتمرات الدولية. ويتوقف نجاح المفاوضات على الروح التي تسودها،" فإذا كانت الدول المتفاوضة لا تتمتع بقوة سياسية متعادلة، فإن الدول الكبرى تطغى على الصغرى وتفرض عليها إرادتها. ومن الأمثلة الحديثة على المنازعات الدولية التي تمت تسويتها عن طريق المفاوضة "المفاوضات التي أدت إلى اتفاق فرنسا وممثلي الثورة الجزائرية على منح الجزائر استقلالها (عام 1961)... والمفاوضات التي جرت بين سورية ولبنان في شهر آب 1973 لحل المشاكل المعلقة بين البلدين."
ولعل من المفيد الإشارة إلى الأهمية التي تعلقها الدول على المفاوضات والاتصالات المباشرة، والتي تتجلى في الخط الساخن Hot Line الذي أنشئ بموجب مذكرة التفاهم الأميركية- السوفيتية الموقعة بين الدولتين في جنيف بتاريخ 20حزيران عام 1963، وذلك لتأمين الاتصال الفوري بين رئيسي الدولتين في حالة انفجار أزمة ما تهدد بخطر محدق، على غرار ما حصل أثناء حرب تشرين 1973 بين مصر وسورية من جهة وإسرائيل من جهة ثانية.
ومما تجدر ملاحظته أن أسلوب المفاوضات المباشرة كثيراً ما يقترن بأسلوبي المساعي الحميدة والوساطة على نحو ما سنرى.
أما الرابطة القانونية القائمة بالضرورة بين الطرفين المتفاوضين فإنها تتمثل فيما أعلنه المحامي النقيب وليام ثورب في مساجلة غرونوبل بتاريخ 13 آذار 1961 حينما قال:
تفترض المفاوضة وجود متحدثين اثنين على الأقل. وكل من هذين المتحدثين أملاه الغرض المتوخى من المفاوضة. وكلاهما يفرض نفسه على الآخر بحكم أنهما وحدهما اللذان يمسكان بمفتاح الاتفاق المراد عقده. ومن ثم، فليس في مقدورهما أن ينتقي أحدهما الآخر ولا أن يستبعد أحدهما الآخر.

المساعي الحميمة:

يقصد بها دولة لا علاقة لها بالخلاف القائم تتدخل من تلقاء نفسها بين الدولتين المتنازعتين بحملهما على إنهاء النزاع ومن شأنها:
أ‌-       العمل على الحيلولة دون تطوير الخلاف الى نزاع مسلح.
ب‌-  محاولة القضاء على نزاع مسلح نشأ بين دولتين.
حينما تتعذر تسوية منازعة ما بالمفاوضات الدبلوماسية، ويبدو تضارب الحقوق أو المطالب على أنه يتمتع بقدر كاف من الأهمية، فإنه يمكن حينئذ اللجوء إلى أسلوب المساعي الحميد
والمساعي الحميدة هي عمل ودي تقوم به دولة أو مجموعة من الدول أو حتى فرد ذي مركز رفيع كالأمين العام للأمم المتحدة في محاولة لجمع الدول المتنازعة مع بعضها وحثها على البدء بالمفاوضات أو استئنافها.
ويعتبر بعض المؤلفين أسلوب المساعي الحميدة شكلاً من أشكال التدخل. وهم بهذا يستعملون اصطلاح التدخل بصورة غير دقيقة. فهذا الاصطلاح لا يستعمل إلا في حالة استخدام القوة المسلحة، كما حصل حينما تدخلت الدول الكبرى في النزاع اليوناني -التركي على جزيرة كريت في عام 1868.
ولا يوجد التزام على أية دولة في أن تقدم خدماتها بهذا الخصوص، كما لا يوجد التزام على أي طرف نزاع ما بقبول عرض المساعي الحميدة، وفي كل الأحوال فإنه لا بد للطرف الثالث من الحصول على موافقة طرفي النزاع قبل قيامه ببذل مساعيه الحميدة، فيسمح له حينئذ القيام بمحاولة جمع طرفي النزاع مع بعضهما، بحيث يجعل من الممكن لهما التوصل إلى حل ملائم للنزاع. ويتم ذلك بأن يقابل كلا من طرفي النزاع على انفراد، ومن النادر أن يحضر الطرف الثالث اجتماعاً مشتركاً.
وتصبح لأسلوب المساعي الحميدة أهمية خاصة في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين المتنازعتين.
فيبذل الطرف الثالث مساعيه الحميدة، وينقل الرسائل والاقتراحات، ويحاول خلق مناخ يوافق فيه الطرفان المتنازعان على إجراء المفاوضات المباشرة فيما بينهما.
ويشترط لنجاح المساعي الحميدة ألا تخفي بواعث أنانية، فهي عمل ودي منزه عن مصلحة أي من طرفي النزاع أو عن مصلحة الطرف الثالث القائم ببذل مساعيه الحميدة. وتنتهي المساعي الحميدة بمجرد اقناع الطرفين المتنازعين بالجلوس إلى مائدة المفاوضات أو مساعدتهما على استئنافها أو قبول مبدأ التسوية الودية للنزاع، دون أن يتعمق الطرف الثالث في دراسته تفصيلات النزاع أو أن يسهم في المفاوضات. ومع ذلك فهنالك حالات وجهت فيها الدولتان المتنازعتان الدعوة إلى الطرف الثالث، الذي قبل عرض مساعيه الحميدة أو نشدت مساعدته لهذا الغرض، للحضور أثناء المفاوضات.
والمساعي الحميدة، إما أن تتوخى الحيلولة دون تطور الخلاف بين دولتين إلى نزاع مسلح، كما حصل بالنسبة للخلاف على الحدود بين الأكوادور وبيرو، حيث أدت المساعي الحميدة التي بذلتها الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة الأميركية إلى التسوية المؤرخة في 28 كانون الثاني من عام 1942.
وإما أن تتوخى إنهاء نزاع مسلح قائم فقد شكل مجلس الأمن في تشرين الثاني من عام 1947م، على سبيل المثال، لجنة للمساعي الحميدة (تضم ممثلي دول استراليا وبلجيكا والولايات المتحدة) ولجنة قنصلية (تضم قناصل الدول الأعضاء في مجلس الأمن لدى باتافيا (Batavia) للمساعدة على قيام مفاوضات تضع حداً للعمليات الحربية بين الجمهورية الأندونيسية الناشئة وبين هولاندا.ومن ذلك أيضاً (لجنة المساعي الحميدة الإسلامية) التي تشكلت بنتيجة اجتماع القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في مدينة "الطائف" في المملكة العربية السعودية عام 1981.
وقد بذلت هذه اللجنة جهودها الرامية إلى وضع حد للحرب العراقية الإيرانية التي نشبت جراء نزاع الحدود بين البلدين عام 1980، إلا أنها وصلت إلى طريق مسدود في عام 1983. ولكن الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجهت الدعوة لعقد اجتماع للجنة المساعي الحميدة الإسلامية في "جدة" في شهر أيار من عام 1984 بعد تصعيد الحرب العراقية- الإيرانية بحيث شملت ناقلات النفط في الشهر المذكور.

الوساطة:

هي عبارة عن مساع حميدة تتضمن عنصرا جديدا ألا وهو اشتراك الشخص الثالث في التفاوض مع الدول المتنازعة أو قيادة بضابطة الارتباط فينقل الى كل من الطرفين وجهة نظره الخاصة ويقترح حلولا للتوفيق وقد تكون الوساطة عقوبة من قبل الوسيط كما يجوز أن يستدعى الطرفان المتنازعان وسيط في حالة استفحال النزاع بينهما، وأهم ما في الوساطة صفتها اختيارية فلا يرغم الطرفان المتخاصمان على قبول بوجهة نظر الوسيط ولهما أن يرداه وكذلك الأمر بالنسبة للمساعي الحميدة على أن العلاقات الدولية في العصر الحالي تتجه الى الاستعانة من أجل نجاح الوساطة بشخصيات دولية بدلا من دولا كما هو الحال لقيام الوسيط الأممي الكونت برنادت لحل النزاع العربي الإسرائيلي 1948 وتلك الوساطة التي قام بها مندلا لحل النزاع الليبي الأمريكي البريطاني في قضية لوكاربي ووساطة الجزائر لحل النزاع الإيراني الأمريكي. ووساطة الإتحاد الأوربي والمصري في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
الوساطة هي عمل ودي تقوم به دولة أو مجموعة من الدول أو وكالة تابعة لمنظمة دولية أو حتى فرد ذي مركز رفيع في سعيه لايجاد تسوية للنزاع القائم بين دولتين.
ولا يفرق الكثيرون بين الوساطة والمساعي الحميدة. وفي الحقيقة فإن الخصيصة المميزة للوساطة هي أن الوسيط يقوم بدور أكثر إيجابية، فيشترك في المفاوضات وفي التسوية نفسها اشتراكاً فعلياً، ويبدي للطرفين وجهة نظره الخاصة، ويقدم اقتراحات محددة لتسوية المسائل الموضوعية.
ولا يوجد التزام على أية دولة في أن تقدم وساطتها، وهي إنما تقوم بذلك بملء إرادتها كما هو عليه الحال في المساعي الحميدة. كذلك فإن أياً من طرفي النزاع أو كلاهما حر في قبول أو رفض عرض بالوساطة. كما أن النتيجة التي انتهت إليها الوساطة غير ملزمة لطرفي النزاع ولا يمكن فرضها عليهما، لأن اقتراحات الوسيط هي مجرد توصيات.
ويمكن للوسيط أن يلتقي طرفي النزاع إما مجتمعين أو كلا منهما على انفراد، وتنتهي مهمة الوسيط حينما تتم تسوية المنازعات، أو حينما يقرر أحد الطرفين أو الوسيط أن الاقتراحات المقدمة غير مقبولة.
ولقد توخت اتفاقيتا لاهاي لعامي 1899و 1907 "تنظيم الوساطة واعتبارها مجرد مشورة غير الزامية سواء أتمت عفوياً، أم بناء على طلب إحدى الدول المتنازعة ونصت أيضاً على أن الوساطة لا تعتبر بحد ذاتها عملاً غير ودي، وأنه يحق للدول إعادة عرض وساطتها رغم رفضها أول مرة، وأحدثت المادة الثانية من اتفاقية 1907 مبدأ اللجوء إلى الوساطة والإفادة منها قبل الاحتكام إلى السلاح، غير أنها قيدت هذا المبدأ بعبارة (بقدر ما تسمح به الظروف) مما أضعف قوته ومرماه"
ووضع مؤتمر بونس أيرس الأميركي لعام 1936 معاهدة جديدة للمساعي الحميدة والوساطة، تؤكد على هذين الأسلوبين القديمين ولكن في إطار جديد. وهي تنص على أن يقوم بدور الوسيط مواطن بارز يختار من قائمة موضوعه مسبقاً تضم أسماء المواطنين الذين ترشحهم الجمهوريات الأمريكية وبمعدل مواطنين من كل دولة. ومن الأمور المثيرة للاهتمام في هذه المعاهدة هو النص فيها على الكتمان وعدم النشر في تسوية المنازعات، ومن ضمن ذلك عدم وضع أي تقرير من قبل الوسيط، وإحاطة محاضر الجلسات بالسرية الكاملة.
والوساطة، إما أن تتوخى الحيلولة دون تطور الخلاف بين دولتين إلى نزاع مسلح، والمثال الذي يستشهد به هو وساطة البابا ليو الثالث عشر pope leo xiiiفي النزاع الألماني -الإسباني على مجموعة جزر الكارولين Caroline islands group في المحيط الهادئ في عام 1885.
وأما أن تتوخى انهاء نزاع مسلح قائم. ومثل ذلك الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب الروسية اليابانية، والتي تكللت بعقد معاهدة بورتسموث portsmouth في عام 1905.
وقد طرأ تطور جديد على أسلوب الوساطة وهو استخدامه بهدف وضع حد للحروب الأهلية. والمثال الحديث الذي يجب عدم الخلط بينه وبين التدخل هو ما حصل في عام 1947 حينما تبنت الدول العشرون المشتركة في مؤتمر الدفاع عن الدول الأمريكية المجتمع في "كويتاندينا Quitandinha "بالبرازيل بالاجماع اقتراحاً يدعو للقيام بوساطة مشتركة لإنهاء الحرب الأهلية التي كانت دائرة في باراغواي paraguay وقضت الخطة التي وضعتها أوروغواي uruguay بارسال رسائل إلى كل من طرفي النزاع تطلب فيها وضع حد سريع للقتال.
كما طرأ تطور آخر يتمثل في اختيار شخصية بارزة للوساطة وليس دولة "فقد عين مجلس الأمن الكونت برنادوت Bernadotte وسيطاً في فلسطين بين الدول العربية وسلطات الاحتلال الاسرائيلي بتاريخ 20 أيار 1948. وقد اغتالته عصابة صهيونية في 7أيلول 1948 فعين المجلس مكانه الدكتور رالف بانش. Dr. Ralph Bunche الذي أدت أنشطة الوساطة التي قام بها إلى إنهاء الحرب الفعلية active hostilities بين سلطات الاحتلال الاسرائيلي والدول العربية عام 1948".
وقد أخذ "ميثاق جامعة الدول العربية" بأسلوب الوساطة في المادة الخامسة منه حيث جاء فيها": توسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دولة من دول الجامعة، وبين دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها للتوفيق بينهما".
وهكذا يحق لمجلس الجامعة السعي إلى إيجاد تسوية لهذا النوع من النزاع عن طريق الاشتراك في بحث أسبابه والعمل على تقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة للتوفيق بينها. ولا يجوز للدول المتنازعة أن ترفض هذه الوساطة ولكن موافقتها ضرورية لقبول قراراتها من قبل الأطراف المتنازعة، كما أن موافقتها ضرورية إذا كانت إحدى الدول المتنازعة ليست عضواً في الجامعة. وتصدر قرارات مجلس الجامعة بأغلبية الآراء بما في ذلك أصوات أطراف النزاع. ويحق للدول المتنازعة أن ترفض الحل الذي يقرره مجلس الجامعة.
ولعل من المفيد إلقاء نظرة سريعة على بعض مواد نظام مركز الوساطة والتحكيم لدى اتحاد المصارف العربية المتعلقة بالوساطة. فكل خلاف ينشأ بين عضوين أو أكثر من أعضاء الاتحاد يمكن السعي لحله بصورة ودية عن طريق جهاز الوساطة لدى اتحاد المصارف العربية (المادة الخامسة) وعلى المدعي الراغب في اللجوء إلى الوساطة.
أن يوجه طلبه إلى الأمانة العامة لاتحاد المصارف العربية (المادة 6/1) وفي حال قبول المدعى عليه مسعى الوساطة، على الأمين العام أن يرفع ملف القضية إلى رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية من أجل تعيين وسيط منفرد أولجنة وساطة وفقاً لظروف القضية واهميتها وذلك خلال شهر واحد (المادة 6/4).
وفي حال عدم قبول المدعى عليه مسعى الوساطة يعاد إلى المدعي الرسم المدفوع من قبله (المادة 6/5) يدرس جهاز الوساطة ملف القضية ويتصل بالمدعي والمدعى عليه وله أن يستمع إلى أقوالهما، وذلك في أنسب مكان يحدده (المادة 7/1) يحدد جهاز الوساطة الفترة الزمنية اللازمة لحل النزاع، بعد دراسة ملف القضية والاستماع إلى الأطراف عند الاقتضاء، ويقترح على المدعي والمدعى عليه صيغة لحل النزاع بصورة ودية (المادة 7/3) يقدم جهاز الوساطة بعد الاستماع لوجهة نظر الأطراف وتحقيق إدعاءاتهم واعتراضاتهم تقريراً يضمنه أي اتفاق يكون أطراف الخلاف قد توصلوا إليه، فإذا لم يقع اتفاق بينهم، كان على جهاز الوساطة أن يبين في هذا التقرير وبموافقة أغلبية أعضاء الجهاز وجهة نظره في شأن المسائل المختلفة عليها سواء من حيث الواقع أو القانون، مشفوعة بالتوصيات التي يراها ملائمة لحل الخلاف بالطرق الودية، ويودع التقرير لدى الأمانة العامة التي تقوم بأخطار الأطراف بمضمونه (المادة 7/4) ولا يلتزم الأطراف بالتقيد بوجهة النظر التي أفصح عنها جهاز الوساطة في تقريره ولا بالتوصيات التي تضمنها التقرير (المادة 7/5) وتعتبر إجراءات الوساطة منتهية إذا تم التوصل إلى تسوية ودية للخلاف أو إذا قام أحد أطراف النزاع بتبليغ الأمانة العامة باعتراضه على ما جاء في التقرير (المادة 7/6).
وإذا فشل مسعى الوساطة لا تتأثر حقوق الأطراف في الخلاف بما تم أو قيل أو كتب أثناء الوساطة ولا يحق لأي من الأطراف أن يتذرع بعد فشل مسعى الوساطة بصيغة المصالحة التي اقترحها جهاز الوساطة (المادة 8)

التحقيق:

إن التحقيق الدولي يهدف الى تحديد الوقائع المادية والنقاط الفنية المختلف عليها تاركا للدولتين المتنازعتين استخلاص النتائج التي نشأ عنه إما بالصورة المباشرة أو عن طريق التحكيم الدولي مثل تحقيق مليس حول إغتيال الحريري
أ‌-       بطريقة مباشرة نزاع نشأ بين أ و ب فتتفق الى اللجوء الى المفاوضات
ب‌-  بطريقة غير مباشرة عند فشل المفاوضات فتفشل المساعي الحميدة ثم الوساطة الى التحكيم الدولي.
يدور معظم المنازعات الدولية حول مسائل الوقائع أكثر مما يدور حول مسائل القانون. فقد انطوى عدد كبير من المنازعات الدولية على عدم قدرة الطرفين المتنازعين على الاتفاق على الوقائع أو عدم رغبتهما في ذلك، مما حدا بالدول في أواخر القرن التاسع عشر إلى عقد عدد من الاتفاقيات الثنائية التي تقضي بتشكيل لجان خاصة بتقصي الحقائق ومهمتها رفع تقرير عن الوقائع المتنازع عليها إلى الطرفين المعنيين. وقد أثبتت هذه اللجان نجاعتها وخاصة في المنازعات على الحدودو"الغرض من التحقيق أصلاً هو تحديد الوقائع المادية والنقاط المختلف عليها بين الفرقاء المتنازعين تاركاً لهم استخلاص النتائج التي تنشأ عنه إما بصورة مباشرة، ويكون ذلك عن طريق المفاوضة، وإما بصورة غير مباشرة، ويكون ذلك عن طريق التحكيم.
ولا يوجد التزام على أية دولة في اللجوء إلى أسلوب التحقيق، كما أن النتائج التي توصلت إليها لجنة التحقيق في تقريرها غير ملزمة لطرفي النزاع ولا يمكن فرضها عليهما.
وتتألف لجنة التحقيق بموجب اتفاقية خاصة. وتكتفي بوضع تقرير عن الوقائع المتنازع عليها دون تحديد المسؤوليات، كما قدمنا.
وبموجب اتفاقية لاهاي الأولى لعام 1899 الخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية Convention I for the pacific Settlement of international Disputesاعتبرت لجان التحقيق بمثابة مؤسسة رسمية. فقد قضت هذه "الاتفاقية" بالاحتفاظ بقائمة أسماء دائمة Panel يختار منها خمسة لقضايا محددة. ويحق لكل دولة طرف في النزاع أن تختار عضوين يكون أحدهما فقط من بين مرشحيها في قائمة الأسماء الدائمة، أما العضو الخامس فيختاره الأعضاء الأربعة الآخرون. ويجب أن يقتصر تقرير لجنة التحقيق على تقصي الحقائق فقط، ولذلك فإنه ليس من المتوقع أن يتضمن اقتراحات لتسوية النزاع وليست له صفة الحكم بأي حال من الأحوال.
ولقد توسعت اتفاقية لاهاي الثانية لعام 1907 في التفصيلات الاجرائية الوارد ذكرها في الاتفاقية الأولى، وذلك بتحديد بعض الأمور مثل مكان الاجتماع واللغات المستعملة، وسد الشواغر في اللجان. وسمحت الاتفاقية أيضاً للدول المتنازعة بإرسال مندوبين خاصين من قبلها لتمثيلها وللعمل كوسطاء بين هذه الدول ولجان التحقيق. هذا بالإضافة إلى النص على استدعاء الشهود إما من قبل الدول المتنازعة أو من قبل اللجنة نفسها.
وكان أحد أكثر التجديدات أهمية هو تطلب اشتراك ثلاثة أعضاء محايدين في أية لجنة تحقيق. واكتفت اتفاقيتا لاهاي لعامي 1899و 1907 بوضع القواعد الأساسية الخاصة بتشكيل لجان التحقيق وبكيفية قيامها بعملها، وتركت للدول المتعاقدة حرية الاختيار سواء كان ذلك في اللجوء إليها أم في الأخذ بالنتائج التي توصلت إليها.
وأرادت "الولايات المتحدة"، بجهود وزير خارجيتها السيد ويليام ج بريان، المضي قدماً إلى الأمام للاستفادة من الإمكانيات الكامنة في استخدام أسلوب لجان التحقيق. وهكذا فقد أبرمت حكومة "الولايات المتحدة" معاهدة مع حوالي ثلاثين دولة ما بين عامي 1913 و1914، تقضي بضرورة إجراء تحقيق حول وقائع المنازعات. ونصت (معاهدات بريان: Bryan treaties) هذه على القيام بإجراء تحقيق ووضع تقرير فقط دون تقديم توصيات، 
 كما أنها تتميز بالخصائص التالية:

1.     تأليف لجان التحقيق من خمسة أعضاء، يختار إثنان منهما من رعايا الطرفين المتنازعين وثلاثة من رعايا الدول الأخرى.
2.     وجوب اللجوء إلى التحقيق بمجرد طلب أحد الطرفين.
3.     تجرد التقرير من أية صفة الزامية بحيث يستطيع الطرفان الأخذ بمضمونه أو اهماله.
وكان الهدف من هذه المعاهدات توفير فترة هدوء أمام الدولتين المتنازعتين.
وخضع أسلوب لجان التحقيق إلى تطور جديد من قبل "عصبة الأمم" و"الأمم المتحدة" اللتين استعملتاه بأسلوب يختلف عن الأسلوب الذي وضعته فيه اتفاقيتا لاهاي بالنقاط التالية:
1.     يعتبر التحقيق الذي وضعت أسسه اتفاقية 1907 أسلوباً مستقلاً وكاملاً بحد ذاته، في حين أن التحقيق بالشكل الذي استعملته المنظمتان يفسح مجالاً أوسع لتسوية المنازعات، إذ أن من خصائصه اطلاع أجهزة المنظمة الدولية على حقيقة الوقائع.
2.     توفد اللجان إلى مكان النزاع أسوة بالتحقيق الذي يتم في الإجراءات القضائية.
3.     تقترح اللجنة حلولاً للنزاع ولا تكتفي بتسجيل الوقائع".
ومن الجدير بالذكر أن "عصبة الأمم" لجأت إلى لجان التحقيق كأسلوب لتسوية المنازعات في العديد من الخلافات ومنها: قضية جزر آلاند بين السويد وفنلندا عام 1920، وقضية الموصل بين بريطانيا وتركيا عام 1924، وقضية حادث الحدود في دميرقابو بين اليونان وبلغاريا عام 1925، وقضية النزاع الصيني الياباني الناشيء عن اعتداء اليابان على منشوريا عام 1931.
كما أن "الأمم المتحدة" لجأت إلى أسلوب لجان التحقيق لتسوية المنازعات في العديد من الخلافات وأشهرها ما تعلق بالقضية الفلسطينية. ففي 15 أيار عام 1947 عينت الجمعية العامة "لجنة خاصة مزودة باختصاصات واسعة لدراسة قضية فلسطين.
وقد تضمن التقرير الذي قدمته اللجنة في 21 آب التالي تقسيم فلسطين إلى منطقتين عربية واسرائيلية. ورغم أن الجمعية العامة أقرت مضمون هذا التقرير بتاريخ 29 تشرين الثاني عام 1947، فإن قرارها في هذا الشأن ما زال معلقاً لامتناع اسرائيل عن تنفيذه".
كما أن مجلس الأمن قرر في خريف عام 1968 "تكليف الأمين العام بإرسال بعثة تحقيق للنظر في معاملة إسرائيل للمدنيين من العرب في الأراضي المحتلة بعد حرب حزيران عام 1967.
وليس أدل على الأمل الذي تعلقه "الأمم المتحدة" على أسلوب لجان التحقيق من القرار الذي تبنته" الجمعية العامة بالاجماع برقم 2329 (22) وتاريخ 18 كانون الأول عام 1967، والذي يحث الدول الأعضاء على الاستفادة من الأساليب القائمة لتقصي الحقائق بفعالية أكثر طبقاً للمادة 33 من الميثاق كما طلبت الجمعية العامة من "الأمين العام" إعداد لائحة بالخبراء الذين تمكن الاستفادة من خدماتهم لأغراض تقصي الحقائق.

التوفيق:

إن هذا الأسلوب كما يسميه البعض المصالحة هو حديث العهد فلم تتعرض له معاهدتي لاهاي1 ولاهاي2 ولم يعرف في القانون الدولي الى اعتبار من سنة 1919 وقد ورد النص على اللجوء إليه كوسيلة ودية لحل الخلافات الدولية في كثير من المعاهدات أهمها المعاهدات " السكوندينافية " و " البولونية" و " الألمانية الفرنسي" وأهمها معاهدة " لوكانو" سنة 1925 التي وضعت القواعد التالية:
أ‌-       تتألف اللجان من 03 أو 05 أعضاء على الأكثر وتكون دائمة.
ب‌-  ينحصر اختصاصها في الخلاف على المصالح وليس على الحقوق ولا يكون هذا الاختصاص إلزاميا. كما أن نتيجة التقرير غير ملزمة للطرفين بل يكون مستند الحكم تحكيمي أو قضائي لاحق.
يتبع لدى لجان التوفيق الإجراءات التي نصت عليها معاهدة لاهاي2 بخصوص لجان التحقيق ومن أمثلة التوفيق أو المصالحة في سنة1948 اقترح وسيط أممي تأليف لجنة التوفيق لفلسطين للإشراف على تنفيذ توصيات التي اقترحها ومنها إعادة اللاجئين الى وطنهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم ورعاية مصالحهم وإيوائهم والاهتمام بمشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية.
إن اتباع أسلوب التوفيق أو المصالحة يعني عرض نزاع معين على لجنة توفيق أو على موفق واحد بقصد تمحيص جميع أوجه النزاع واقتراح حل على الطرفين المعنيين. وبالطبع فإن أياً من طرفي النزاع أو كلاهما حرفي قبول أو رفض اقتراحات الموفق أو لجنة التوفيق. وكما عليه الحال في الوساطة يمكن للموفقين أن يجتمعوا بالطرفين مجتمعين أو منفردين.
وأسلوب التوفيق حديث العهد، إذ أنه دخل التعامل الدولي في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وقد ورد النص على تشكيل العشرات من لجان التوفيق في اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف. وينص بعض هذه الاتفاقيات على تشكيل لجان دائمة تكون في بعض الحالات مخولة حتى في عرض خدماتها على طرفي النزاع دون أن يطلب إليها القيام بذلك.
كما تقضي اتفاقيات أخرى بتشكيل لجان خاصة بعد قيام النزاع فقط. وتضمن عدد من الاتفاقيات مؤخراً، وبعضها ذو أهمية كبيرة، بنوداً تقضي بتشكيل لجان توفيق كميثاق بوغوتا (1948) the pact of Bogota ومعاهدة بروكسل 17 آذار 1948) the treaty of Brucsels. 

وتكون معاهدات التوفيق على أنواع مختلفة:

1.     معاهدات التوفيق السكندينافية التي وضعت أسلوباً موحداً للتوفيق يمكن تطبيقه في جميع المنازعات.
2.     معاهدات التوفيق والتحكيم البولونية التي أحدثت أسلوباً مزودجاً لحل جميع المنازعات على مرحلتين: تبدأ الأولى بالتوفيق، فإذا أخفقت هذه الطريقة يلجأ الطرفان إلى التحكيم.معاهدات التحكيم والتوفيق الالمانية وهي تنص على تطبيق طريقتي التحكيم والتوفيق في حالتين مختلفتين:الأولى في المنازعات القانونية والثانية في المنازعات ذات الطابع السياسي.
3.     معاهدات التوفيق والتسوية القضائية المتبعة في سويسرا وهي تجمع بين الطريقتين.
4.     ميثاق التحكيم العام: وقد أقرته الجمعية العامة لعصبة الأمم في 26 أيلول 1928، الذي تناول بكثير من التفصيل ثلاثة نظم لتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية وهي التوفيق والقضاء والتحكيم.
5.     معاهدات التوفيق والتحكيم والتسوية القضائية. وهي تنطوي على أسلوب مزيج أخذت به معاهدات لوكارنو الموقعة في 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1925.

وأهم هذه المعاهدات هي معاهدة لوكارنو التي وضعت للمصالحة الدولية القواعد التالية:
 
1.     تتألف اللجان من ثلاثة أو خمسة أعضاء على الأكثر وتكون دائمة.
2.     ينحصر اختصاصها في الخلاف على المصالح وليس على الحقوق، ولا يكون هذا الاختصاص الزامياً، كما أن التقرير الذي تضعه لا يكون ملزماً للطرفين بل يكون مستنداً لحل تحكيمي أو قضائي لاحق.
3.     تتبع لدى لجان المصالحة الأصول التي نصت عليها معاهدة لاهاي (1907) بشأن لجان التحقيق.
ورغم الاتفاقيات الملمح إليها فإن استخدام أساليب التوفيق يمثل ظاهرة نادرة الحدوث على المسرح الدولي، وربما كان السبب في ذلك أن الدول تفضل اللجوء إلى الأساليب الأخرى لتسوية المنازعات على أسلوب التوفيق لأنها تنص على إصدار قرارات أو أحكام ملزمة (تحكيم قضاء) بدلاً من ترك الحرية لكل طرف في رفض مجرد اقتراحات أو توصيات كما هو عليه الحال في أسلوب التوفيق.
وقد عرضت نزاعات عديدة لبحثها من قبل هذه اللجان ومن ذلك: النزاع الدانيماركي -البلجيكي عام 1952، ونزاعان بين فرنسا وسويسرا عام 1955، ونزاع بين اليونان وإيطاليا عام 1956.
ومن الأمثلة البارزة على نجاح أسلوب التوفيق" إعادة بعض الأراضي الكمبودية التي منحتها فرنسا إلى تايلاند عام 1941 بناء على وساطة اليابان، إذ آلت المساعي الحميدة التي بذلتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية إلى عرض النزاع على لجنة توفيق تألفت وفقاً لأحكام الاتفاق الموقع في واشنطن بتاريخ 17 كانون الأول (ديسمبر) 1946 وإذعان تايلاند لمضمون التقرير القاضي بضرورة إعادة الأراضي الممنوحة.
ومن أحدث الأمثلة لجنة التوفيق التي شكلتها الأمم المتحدة عام 1948 لحل مشكلة فلسطين، والتي ما تزال قائمة نظرياً.
ولعل من المفيد إلقاء نظرة سريعة على بعض المواد الخاصة بالمصالحة الاختيارية المنصوصة في نظام المصالحة والتحكيم في غرفة التجارة الدولية النافذ اعتباراً من تاريخ الأول من شهر حزيران عام 1957.

الهيئة الإدارية للمصالحة، لجنة المصالحة:

إن كل خلاف ذي صفة تجارية وله طابع دولي يمكن السعي لتسويته ودياً عن طريق "الهيئة الإدارية للمصالحة" المحدثة لدى غرفة التجارة الدولية، وتسمي كل لجنة وطنية من عضو إلى ثلاثة أعضاء في "الهيئة" من بين رعاياها المقيمين في باريس، ويعين هؤلاء لمدة سنتين من قبل رئيس غرفة التجارة الدولية (المادة 1/1).
ويشكل رئيس غرفة التجارة الدولية لكل خلاف "لجنة مصالحة" مؤلفة من ثلاثة أعضاء. وتتألف "اللجنة" من مصالحين ينتميان بقدر الإمكان، إلى كل من جنسية طالب المصالحة والطرف الآخر. "ورئيس لجنة" من غير جنسية الطرفين المعنيين، ويجري اختياره. من حيث المبدأ، من بين أعضاء "الهيئة الإدارية للمصالحة" (المادة 1/2).

طلب المصالحة:

ينبغي على الطرف الراغب في اللجوء إلى المصالحة أن يتقدم بطلب إلى "الأمانة العامة لغرفة التجارة الدولية" بواسطة لجنته الوطنية أو بصورة مباشرة، وفي هذه الحالة الأخيرة يقوم "الأمين العام" بإبلاغ "اللجنة الوطنية" بذلك.
ويجب أن يتضمن الطلب عرضاً للقضية من وجهة نظر الطرف المذكور، كما يجب أن يكون مرفقاً بصورة عن الأوراق والوثائق المتعلقة به، هذا فضلاً عن دفع سلفة نقدية وفقاً للجدول المرفق بهذا النظام لتغطية النفقات التي تتحملها "الأمانة العامة" في إجراءات المصالحة (المادة 2).

الإجراءات المتخذة من قبل لجنة المصالحة:

يقوم "الأمين العام لغرفة التجارة الدولية" لدى تسلمه طلب المصالحة مرفقاً بالأوراق والوثائق المتعلقة به والسلفة النقدية بإعلام الطرف الآخر (أو الأطراف الأخرى) بالخلاف بصورة مباشرة أو بواسطة لجنته الوطنية (أو لجانهم الوطنية) ويدعوه (أو يدعوهم) لقبول مسعى المصالحة، ومن ثم تقديم عرض خطي للقضية من وجهة نظره إلى "لجنة المصالحة" ويجب أن يكون مرفقاً بصور عن الأوراق والوثائق المتعلقة به، هذا فضلاً عن دفع سلفة نقدية وفقاً للجدول المرفق بهذا النظام لتغطية النفقات التي تتحملها الأمانة العامة في إجراءات المصالحة (المادة 3/1(
وتدرس "اللجنة" الملف وتلجأ إلى طلب أية معلومات بهذا الصدد وذلك بطريق المراسلة مع طرفي النزاع بصورة مباشرة أو عن طريق لجنتيهما الوطنيتين، وتستمع إلى أقوال الطرفين إذا كان ذلك ممكناً (المادة 3/2)
ويمكن للطرفين أن يمثلا شخصياً أمام "اللجنة" أو أن يكون ممثلين بوكلاء معتمدين بصورة رسمية، ويمكنهما أن يستعينا بمستشارين أو محامين (المادة 3/3)

صيغة المصالحة:

تقترح "اللجنة" على الطرفين صيغة للمصالحة بعد تدقيق الملف وسماع الطرفين إذا كان ذلك ممكناً (المادة 4/1)
إذا تمت المصالحة، تضع اللجنة محضراً يثبت اتفاق الطرفين وتوقع عليه (المادة 4/2)
في حالة عدم حضور الطرفين أو تمثيلهما بوكلاء معتمدين بصورة رسمية، تقوم "اللجنة" بابلاغ رئيس كل من اللجنتين الوطنيتين المعنيتين صيغة المصالحة وتدعوهما ليستعملا نفوذهما لدى الطرفين لاقناعهما بقبول اقتراحات اللجنة (المادة 4/3).

 حقوق الطرفين في حالة اخفاق مسعى المصالحة:

إذا فشل مسعى المصالحة، يصبح الطرفان حرين في اللجوء إلى التحكيم أو إلى المحاكم المختصة، ما لم يكونا مرتبطين بشرط تحكيم (المادة 5/1).
لا تتأثر حقوق الطرفين، بأي شكل كان، سواء في التحكيم أو أمام المحاكم، بما تم أو قيل أو كتب أثناء المصالحة.
ولا يجوز لمن اشترك في لجنة المصالحة في خلاف ما أن يعين محكماً في نفس الخلاف (المادة 5/2)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق